سورة النساء - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}
{الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} فيه أوجه من الإعراب: الأول: أن يكون بدلًا من مَن بدل كل من كل، الثاني: أن يكون صفة لها بناءًا على رأي من يجوز وقوع الموصول موصوفًا، والزجاج يقول به، الثالث: أن يكون نصبًا على الذم،.
الرابع: أن يكون رفعًا عليه،.
الخامس: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، السادس: أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي مبغوضون، أو أحقاء بكل ملامة ونحو ذلك مما يؤخذ من السياق وإنما حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب، وتقديره بعد تمام الصلة أولى، السابع: أن يكون كما قال أبو البقاء: مبتدأ {والذين} [النساء: 38] الآتي معطوفًا عليه، والخبر {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ} [النساء: 40] على معنى لا يظلمهم وهو بعيد جدًا. وفرق الطيبي بين كونه خبرًا ومبتدأ بأنه على الأول: متصل بما قبله لأن هذا من جنس أوصافهم التي عرفوا بها، وعلى الثاني: منقطع جيء به لبيان أحوالهم، وذكر أن الوجه الاتصال وأطال الكلام عليه، وفي البخل أربع لغات: فتح الخاء والباء وبها قرأ حمزة والكسائي وضمهما وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر وفتح الباء وسكون الخاء وبها قرأ قتادة وضم الباء وسكون الخاء وبها قرأ الجمهور.
{وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} أي من المال والغنى أو من نعوته صلى الله عليه وسلم. {وَأَعْتَدْنَا للكافرين عَذَابًا مُّهِينًا} أي أعددنا لهم ذلك ووضع المظهر موضع المضمر إشعارًا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى، ومن كان كافرًا لنعمه فله عذاب يهينه كما أهان النعم بالبخل والإخفاء، ويجوز حمل الكفر على ظاهره، وذكر ضمير التعظيم للتهويل لأن عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبلها، وسبب نزول الآية ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحرى بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالًا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله تعالى: {الذين يَبْخَلُونَ} إلى قوله سبحانه: {وَكَانَ الله بِهِم عَلِيمًا} [النساء: 37 - 39]، وقيل: نزلت في الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن سعيد بن جبير وغيره، أخرج عبد بن حميد وآخرون عن قتادة أنه قال في الآية: هم أعداء الله تعالى أهل الكتاب بخلوا بحق الله تعالى عليهم وكتموا الإسلام ومحمدًا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة «والإنجيل»، والبخل على هذه الرواية ظاهر في البخل بالمال، وبه صرح ابن جبير في إحدى الروايتين عنه، وفي الرواية الأخرى أنه البخل بالعلم، وأمرهم الناس أي أتباعهم به يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون مجازًا تنزيلًا لهم منزلة الآمرين بذلك لعلمهم باتباعهم لهم.


{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}
{والذين يُنْفِقُونَ أموالهم رِئَاء الناس} أي للفخار ولما يقال لا لوجه الله العظيم المتعال، والموصول عطف على نظيره أو على الكافرين، وإنما شاركوهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الانفاق لا على ما ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في الشناعة واستجلاب الذم، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي قرينهم الشيطان كما يدل عليه الكلام الآتي. {وَرِئَاء} مصدر منصوب على الحال من ضمير {يُنفِقُونَ} وإضافته إلى الناس من إضافة المصدر لمفعوله أي مرائين الناس {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله} القادر على الثواب والعقاب {وَلاَ باليوم الاخر} الذي يثاب فيه المطيع ويعاقب العاصي ليقصدوا بالإنفاق ما تورق به أغصانه ويجتنى منه ثمره وهم اليهود، وروي ذلك عن مجاهد، أو مشركو مكة أو المنافقون كما قيل. {وَمَن يَكُنِ الشيطان} والمراد به إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة من قبيلته، والناس التابعين له أو من القوى النفسانية والهوى وصحبة الأشرار، أو من النفس والقوى الحيوانية وشياطين الإنس والجن {لَهُ قَرِينًا} أي صاحبًا وخليلًا في الدنيا {فَسَاء} فبئس الشيطان أو القرين. {قَرِينًا} لأنه يدعوه إلى المعصية المؤدية إلى النار وساء منقولة إلى باب نعم، وبئس فهي ملحقة بالجامدة؛ فلذا قرنت بالفاء، ويحتمل أن تكون على بابها بتقدير قد كقوله سبحانه: {وَمَن جَاء بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النار} [النمل: 90] والغرض من هذه الجملة التنبيه على أن الشيطان قرينهم فحملهم على ذلك وزينه لهم، وجوز أن يكون وعيدًا لهم بأن يقرن بهم الشيطان يوم القيامة في النار فيتلاعنان ويتباغضان وتقوم لهم الحسرة على ساق..


{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} أي ما الذي عليهم، أو أي وبال وضرر يحيق بهم. {لَوْ ءامَنُواْ بالله واليوم الاخر وَأَنفَقُواْ} على من ذكر من الطوائف ابتغاء وجه الله تعالى كما يشعر به السياق ويفهمه الكلام {مِمَّا رَزَقَهُمُ الله} من الأموال، وليس المراد السؤال عن الضرر المترتب على الإيمان والإنفاق في سبيل الله تعالى كما هو الظاهر إذ لا ضرر في ذلك ليسأل عنه بل المراد توبيخهم على الجهل كان المنفعة والاعتقاد في الشيء على خلاف ما هو عليه، وتحريضهم على صرف الفكر لتحصيل الجواب لعله يؤدي بهم إلى العلم بما في ذلك مما هو أجدى من تفاريق العصا، وتنبيههم على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب احتياطًا، فكيف إذا تدفقت منه المنافعا وهذا أسلوب بديع كثيرًا ما استعملته العرب في كلامها، ومن ذلك قول من قال:
ما كان ضرك لو مننت وربما *** منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
وفي الكلام رد على الجبرية إذ لا يقال مثل ذلك لمن لا اختيار له ولا تأثير أصلًا في الفعل، ألا ترى أن من قال للأعمى: ماذا عليك لو كنت بصيرًا؟ وللقصير ماذا عليك لو كنت طويلًا؟ نسب إلى ما يكره. واستدل به القائلون بجواز إيمان المقلد أيضًا لأنه مشعر بأن الإيمان في غاية السهولة، ولو كان الاستدلال واجبًا لكان في غاية الصعوبة، وأجيب بعد تسليم الإشعار بأن الصعوبة في التفاصيل وليست واجبة وأما الدلائل على سبيل الإجمال فسهلة وهي الواجبة، و{لَوْ} إما على بابها والكلام محمول على المعنى أي لو آمنوا لم يضرهم وإما عنى أن المصدرية كما قال أبو البقاء وعلى الوجهين لا استئناف. وجوز أن تكون الجملة مستأنفة وجوابها مقدر أي حصلت لهم السعادة ونحوه، وإنما قدم الإيمان هاهنا وأخر في الآية المتقدمة لأنه ثمة ذكر لتعليل ما قبله من وقوع مصارفهم في دنياهم في غير محلها، وهنا للتحريض فينبغي أن يبدأ فيه بالأهم فالأهم، ولو قيل: أخر الإيمان هناك وقدم الإنفاق لأن ذلك الإنفاق كان عنى الإسراف الذي هو عديل البخل فأخر الإيمان لئلا يكون فاصلًا بين العديلين لكان له وجه لا سيما إذا قلنا بالعطف. {وَكَانَ الله عَلِيمًا} خبر يتضمن وعيدًا وتنبيهًا على سوء بواطنهم، وأنه تعالى مطلع على ما أخفوه في أنفسهم فيجازيهم به، وقيل: فيه إشارة إلى إثابته تعالى إياهم لو كانوا آمنوا وأنفقوا، ولا بأس بأن يراد كان عليمًا بهم وبأحوالهم المحققة والمفروضة فيعاقب على الأولى ويثيب على الثانية كما ينبىء عن ذلك قوله تعالى:

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16